فصل: باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 كتاب البيوع

 أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

 باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه

1 - عن جابر ‏(‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول إن اللّه حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى به السف ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال هو حرام ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عند ذلك قاتل اللّه اليهود إن اللّه لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) ـ ‏أي هذا الكتاب في ذكر الأحاديث التي يستنط منها أحكام البيوع‏.‏ ولما فرغ من بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروى شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي‏.‏ فقدم العبادات لاهتمامها ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية‏.‏ وأخر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما‏.‏ وأخر الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج‏.‏ وصدر الصنف المبحث بلفظ كتاب لأنه مشتمل على أبواب كثيرة في أنواع البيوع‏.‏ وجمع البيوع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه‏.‏ فالمطلق ان كان ببيع بالثمن كالثوب بالدراهم‏.‏

والمقايضة بالياء التحتية إن كان عينا بعين كالثوب بالعبد‏.‏ والسلم إن كان بيع الدين بالعين والصرف إن كان بيع الثمن بالثمن‏.‏ والمرابحة إن كان بالثمن مع زيادة‏.‏ والتولية إن لن يكن مع زيادة‏.‏ والوضعية إن كان بالنقصان واللازم إن كان تاما وغير اللازم إن كان بالخيار‏.‏ والصحيح والباطل والفاسد والمكروه‏.‏ وللبيع تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة‏.‏ أما معناه لغة فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء ويطلق البيع على الشراء أيضا فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة وشرعا هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي‏.‏ وأما ركنه فإيجاب وقبول‏.‏ وأما شرطه فاهلية المتعاقدين‏.‏ وأما محله فهو المال‏.‏ وأما حكمه فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الاجازة إذا كان موقوفا‏.‏ وأما حكمته على ما ذكره الحافظ في الفتح إن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج اه اقول قد ذكر العلماء للبيع حكما كثيرة منا اتساع أمور المعاش والبقاء‏.‏ ومنا اطفاء نار المنازعات والنهب والسرق والخيانات والحيل المكروهة‏.‏ ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لان المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع‏:‏ واللّه أعلم ‏ـ‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن اللّه إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس‏.‏

حديث ابن عباس في التنفير عنها وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والميتة) بفتح الميم وهي مازالت عنها الحياة لا بذكاة شرعة‏.‏ ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على تحريم بيع الميتة والظاهر أنه تحريم بيعها بجميع اجزائها قيل ويستثنى من ذلك السمك والجراد ومالا تحله الحياة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخنزير)‏ فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه وقد حكى صاحب الفتح الإجماع على ذلك‏.‏ وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية الترخيص في القليل من شعره والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والأصنام)‏ جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه ومادة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورا والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت شحوم الميتة‏)‏ إلخ أي فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويسصبح بها الناس‏)‏ الاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء‏.‏

قوله ‏(‏لا هو حرام الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع وجعله بعض العلماء راجعا إلى الانتفاع فقال يحرم الأنتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة بشيء إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ والظاهر أن مرجع الضمير البيع لأنه المذكور صريحا والكلام فيه ‏ ـ ‏من قال ان الضمير يرجع إلى البيع يقول بجواز الانتفاع بالنجس مطلقا ويحرم بيعه ويستدل أيضا بالإجماع على جواز اطعام الميتة الكلاب‏:‏ وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة‏.‏ وإلى هذا ذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والليث‏.‏ واللّه أعلم‏.‏ ـ‏ ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث ‏(‏فباعوها‏)‏ وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث ‏(‏لاتنتفعوا من الميتة بشيء‏)‏ وقد تقدم والمعنى لا تظنوا إن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام‏.‏ قوله ‏(‏جملوه‏)‏ بفتح الجيم والميم أي أذابوه يقال جملة إذا أذابه والجميل الشحم المذاب‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏(‏جملوها ثم باعوها‏)‏ وحديث ابن عباس فيه دليل على ابطال الحيل والوسائل إلى المحرم وإن كان ما حرمه اللّه على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصة دليل والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب مخصص لعموم مفهوم قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إنما حرم من الميتة أكلها)‏ وقد تقدم‏:‏ وقوله ‏(‏لعن اللّه اليهود‏)‏ زاد في سنن أبي داود ثلاثا‏.‏

3 - وعن أبي حنيفة ‏(‏أنه اشترى حجاما فأمر فكسرت محاجمه وقال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحوان الكاهن‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

6 - وعن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات لأن أبا داود رواه من طريق عبيد اللّه بن عمرو الواقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الفوقية وهو من ثقات التابعين كم قال ابن حبان‏.‏ وحديث جابر هو في مسلم بلفظ ‏(‏سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏) ‏ وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهر‏)‏ وقال الترمذي غريب وقال النسائي هذا حديث منكر اه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الأحتجاج به‏.‏ وقال الخطابي قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقال ابن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه‏.‏ وقال النووي الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى‏.‏ ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور بل رواه من حديث معقل بن عبد اللّه الجزري عن أبي الزبير قال ‏(‏سألت جابرا‏)‏ وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر ابن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي قوله‏:‏ ‏(‏حرم ثمن الدم‏)‏ اختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال بأنها غير حلال وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في كسب الحجام من أبواب الأجارة‏.‏ وقيل المراد به ثمن الدم نفسه فيدل على تحريم بيعه وهو حرام اجماعا كم في الفتح‏.‏ قوله ‏(‏وثمن الكلب‏)‏ فيه دليل على تحريم بيع الكلب ‏ـ ‏أقول ما ذكره الشارح من أن قوله في الحديث ‏(‏وثمن الكلب‏)‏ يدل على تحريم بيعه إنما هو باللزوم لا بالنص لأن الحديث دل على تحريم ثمن الكلب بالنص وعلى تحريم بيعه باللزوم أفهم ‏ـ.‏

وظاهره عدم الفرق بين العلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور‏.‏ وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره‏.‏

ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب إلاكلب صيد ‏(‏قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد ان صلح المقيد للاحتجاج به وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة وروى عن مالك أنه لا يجوم بيعه وتجب القيمة وروى عنه أن بيعه مكروه فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكسب البغي‏)‏ في الرواية الثانية ومهر البغي ‏ـ ‏وسمي مهرا مجازا وفي حكمه تفاصيل ترجع إلى كيفية أخذه والذي اختاره العلامة ابن القيم رحمه اللّه تعالى أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به ولا يرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض ولا يمكن صاحب العوض استرجاعه فهو كسب خبيث يجب التصدق به ولا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله إليه‏:‏ واللّه أعلم ـ‏‏.‏

والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة تشديد التحتانية‏.‏

وأصل البغي الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهرها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم‏.‏ قوله ‏(‏ولعن الواشمة والمستوشمة‏)‏ سيأتي الكلام على هذا في باب ما يكرهه من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء اللّه‏.‏ قوله ‏(‏وآكل الربا وموكله يأتي إن شاء اللّه الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا قوله ‏(‏ولعن المصورين)‏ فيه أن المصور من أشد المحرمات لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك وقد تقدم ما يحرم من التصوير ومالا يحرم في أبواب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحلوان الكاهن‏)‏ الحلوان بضم الحاء المهملة ومصدر حلوته إذا أعطيته‏.‏ قال في الفتح وأصله من الحلاوة شبه بالشي الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة الحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه‏.‏ والكاهن قال الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال في الفتح حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب‏.‏ قوله ‏(‏فاملأ كفه ترابا‏)‏ كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب لم يحصل في كفه غير التراب وقيل المراد التراب خاصة حملا للتحديث على ظاهره وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ومثله حمل من حمل حديث ‏(‏احثوا التراب في وجوه المداحين‏)‏ على معناه الحقيقي‏.‏ قوله ‏(‏والسنور‏)‏ بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهروبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر وابن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه وقد عرفت دفع ذلك وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولامن المروآت ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض‏.‏

 باب النهي عن بيع فضل الماء

1 - عن إباس بن عبد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي‏.‏

2 - وعن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثله‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

حديث إباس قال القشيري هو على شرط الشيخين وحديث جابر هو صحيح ـ ‏وقد ذهب إلى هذا العموم العلامة ابن القيم في زاد المعاد وقال إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لاخذ الماء والكلأ لأن له حقا في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير وقال أنه نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة للراعي‏.‏ قال الصنعاني في سبل السلام وإلى مثله ذهب المنصور باللّه والإمام يحيى في الحطب والحشيش‏.‏ واللّه أعلم‏ ـ‏ مسلم ولفظه لفظ حديث إباس وكذا أخرجه النسائي‏.‏ والحديثان يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه والظاهر أنه لافرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم وقال النووي وحاكيا عن أصحاب الشافعي أنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط‏.‏ أحدها أن لا يكون ماء أخر يستغنى به‏.‏

الثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع‏.‏

الثالث أن لا يكون مالكه محتاجا إليه ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعا بلفظ ‏(‏لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ‏) وذكره صاحب جامع الأصول بلفظ ‏(‏لا يباع فضل الماء)‏ وهو لفظ مسلم وسيأتي هذا الحديث وما في معناه في باب النهي عن منع فضل الماء من كتاب إحياء الموات ويؤيد المنع من البيع أيضا أحاديث ‏(‏الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار‏) وستأتي في باب ‏(‏الناس شركاء في ثلاث‏) من كتاب إحياء الموات أيضا وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف فإنه في صحيح مسلم بلفظ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء وعن منع ضراب الفحل وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية فإنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الزكاة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الأطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ‏(‏من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها‏)‏ الحديث فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى اللّه عليه وآله وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صالحهم في مبادئ الأمر على ما كانوا ثم استقرت الأحكام وشرع لامته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضا الماء هنا دخل تبعا لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك‏.‏

 باب النهي عن ثمن عسب الفحل

1 - عن ابن عمر قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ثمن عسب الفحل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود‏.‏

2 - عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

3 - وعن أنس ‏(‏أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن عسب الفحل فنهاه فقال يا رسول اللّه أنا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

وفي الباب عن أنس غير حديث الباب عند الشافعي وعن علي عليه السلام عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عند أيضا قوله‏:‏ ‏(‏عسب الفحل)‏ بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أوجملا أو تيسا أو غير ذلك‏.‏ وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس واختلف فيه فقيل هو ماء الفحل وقيل أجرة الجماع ويؤيد الأول حديث جابر المذكور في الباب‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أن بيع ماء الفحل واجارته حرام لأنه غير متقوم ولامعلوم ولا مقدور على تسليمه وإليه ذهب الجمهور وفي وجه للشافعية والحنابلة وبه قال الحسن وابن سيرين وهو مروي عن مالك أنها تجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وأحاديث الباب ترد عليهم لأنها صادقة على الأجارة قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلا ينزيه ولا يصح القياس على تلقيح النخل لأن ماء الفحل صاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح قال في الفتح وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه‏.‏

قوله: ‏(‏فرخص له في الكرامة‏)‏ فيه دليل أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له وقد ورد الترغيب في اطراق الفحل‏.‏ أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا ‏(‏من اطرق فرسا فاعقب كان له كاجر سبعين فرسا‏)‏‏.‏

 باب النهي عن بيوع الغرر

1 - عن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

2 - وعن ابن مسعود ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن ابن عمر قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن حبل الحبلة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي‏.‏ وفي رواية ‏(‏نهى عن بيع حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وفي لفظ ‏(‏كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التي نتجت فنهاهم صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏)‏ متفق عليه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهاهم صلى اللّه عليه وآله وسلم عنه)‏ رواه البخاري‏.‏

حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود قال البيهقي فيه إرسال بين المسيب وعبد اللّه والصحيح وقفه وقال الدارقطني في العلل اختلف فيه والموقوف أصح وكذلك قال الخطيب وابن الجوزي وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن بيع الحصاة‏)‏ اختلف في تفسيره فقيل وهو أن يقول بعتك من هذا الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشرط الخيار إلى أن يرمي الحصاة وقيل هو أن يجعل نفس الرمي بيعا ويؤيده ما أخرجه البزار من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن بيع الغرر‏)‏ بفتح المعجمة وبراءين مهملتين وقد ثبت النهي عنه في أحاديث‏.‏ منها المذكور في الباب‏.‏ ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان‏.‏ ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه‏.‏ ومنها عن سهل بن سعد الطبراني ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه‏.‏

قال النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران‏.‏ أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه‏.‏ والثاني ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن الحشو في الجبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حبل الحبلة)‏ الحبل بفتح الحاء المهملة والباء وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل والحبلة بفتحهما أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة وقيل هو مصدرسمي به الحيوان والأحاديث المذكورة في الباب تقضي البيع لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول‏.‏ واختلف في تفسير حبل الحبلة فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر‏.‏ وقال الإسماعيلي والخطيب هو من كلام نافع ولا منافاة بين الروايتين ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك والشافعي وغيرهما وهو أن يبيع لحم الحزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة وقيل إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل وبه جزم أبو أسحق في التنبيه وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكران يلد الولد ولكنه وقع في رواية متفق عليها بلفظ ‏(‏كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وهو صريح في اعتبار ان يلد الولد ومشتمل على زيادة فيرجح‏.‏ وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي والترمذي وأكثر أهل اللغة منهمه أبو عبيدة وأبو عبيد هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال فتكون علة النهي على القول الأول جهالة الأجل وعلى القول الثاني بيع الغرر لكونه معدوما ومجهولا وغير مقدور على تسليمه ويرجح الأول قوله في حديث الباب ‏(‏لحوم الجزور‏)‏ وكذلك قوله ‏(‏يبتاعون الجزور‏)‏ قال ابن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الحبين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين فصارت أربعة أقوال كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تنتج‏)‏ بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه والفاعل الناقة قال في الفتح وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول قوله‏:‏ ‏(‏الجزور‏)‏ بفتح الجيم وضم الزاي وهو البعير ذكرا كان أو أنثى‏.‏

4 - وعن شهربن حوشب عن أبي سعيد قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة الغائص‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه شراء المغانم وقال غريب‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع المغانم حتى تقسم‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

6 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثله ‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

7 - وعن ابن عباس قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

حديث أبي سعيد أخرجه أيضا البزار والدارقطني وقد ضعف الحافظ إسناده وشهربن حوشب فيه مقال تقدم وقد حسن الترمذي ما أخرجه منه ويشهد لأكثر الأطراف التي اشتمل عليها أحاديث أخر منها أحاديث النهي عن بيع الغرر وما ورد في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين وما ورد في حبل الحبلة على أحد التفسيرين وحديث أبي هريرة في إسناد أبي داود رجل مجهول وحديث ابن عباس الآخر أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عمر بن فروخ قال البيهقي تفرد به وليس بالقوي انتهى‏.‏ ولكنه قد وثقه ابن معين وغيره وقد رواه عن وكيع مرسلا أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة في مصنفه قال ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ‏.‏ وأخرجه ايضا أبو داود من طريق أبي إسحاق عن عكرمة والشافعي من وجه آخر عن ابن عباس والطبراني في الأوسط من طريق عمر المذكور وقال لا يروي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد وفي الباب عن عمران بن حصين مرفوعا عند أبي بكر بن أبي عاصم بلفظ ‏(‏نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وعن بيع الغرر‏)‏ قوله ‏(‏عن شراء ما في بطون الأنعام‏)‏ فيه دليل على أنه لا يصح شراء الحمل وهو مجمع عليه والعلة الغرر وعدم القدرة على التسليم قوله‏:‏ ‏(‏وعن بيع ما في ضروعها‏)‏ هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة الا أن يبيعه منه كيلا نحو أن يقول بعت منك صاعا من حليب بقرتي فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن شراء العبد الآبق‏)‏ فيه دليل على أنه لا يصح بيعه وقد ذهب إلى ذلك الهادي والشافعي‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه والمؤيد باللّه وأبو طالب أنه يصح موقوفا على التسليم واستدلوا بعموم قوله تعالى ‏{‏وأحل اللّه البيع‏}‏ وهو من التمسك بالعام في مقابلة ما هو أخص منه مطلقا وعلة النهي عدم القدرة على التسليم إن كانت عين العبد الآبق معلومة ولا فجموع الجهالة والغرر وعدم القدرة على التسليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشراء المغانم‏)‏ مقتضى النهي عدم صحة بيعها قبل القسمة لأنه لا ملك على ماهو الاظهر من قول الشافعي وغيره لاحد من الغانمين قبلها فيكون ذلك من أكل أموال الناس بالباطل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن شراء الصدقات‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز للمتصدق عليه بيع الصدقة قبل قبضها لأنه لا يملكها الا به وقد خصص من هذا العموم المصدق فقيل يجوز له بيع الصدقات قبل قبضها وهو غير مقبول إلا بدليل يخص هذا العموم وجعل التخلية إليه بمنزلة القبض دعوى مجردة وعلى تسليم قيامها القبض فلا فرق بينه وبين غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن ضربة الغائص‏)‏ المراد بذلك أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن فإن هذا لا يصح لما فيه من الغرر والجهالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم)‏ سيأتي الكلام على هذا في باب النهي عن بيع قبل بدو صلاحه قوله‏:‏‏(‏أو صوف على ظهر‏)‏ فيه دليل على عدم صحة بيع الصوف ما دام على ظهر الحيوان وإلى ذلك ذهب العترة والفقهاء والعلة الجهالة والتأدية إلى الشجار في موضع القطع قوله‏:‏ ‏(‏أو سمن في لبن‏)‏ يعني لما فيه من الجهالة والغرر‏.‏

8 - وعن أبي سعيد قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الملامسة والنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

9 - وعن أنس قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحالفة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزابنة‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله ‏(‏عن الملامسة والمنابذة‏)‏ هما مفسران بما ذكر في الحديث ذكر البخاري ذلك في اللباس عن الزهري وقد فسر ابان الملامسة أن يمس الثوب ولا ينظر إليه والمنابذة أن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه وهو كالتفسير الأول‏.‏ قال في الفتح ولأبي عوانة عن يونس أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب القمار وفي رواية لابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري المنابذة أن يقول الق إلى مامعك والقي إليك ما معي والنسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل ابيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر احدمنها إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا‏.‏ والمنابذة أن يقول انبذ ما معي وتنبذ ما معك فيشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كم مع الآخر‏.‏ وروى أحمد عن معمر أنه فسر المنابذة بأن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع‏.‏ والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع‏.‏ ولمسلم عن أبي هريرة الملامسة أن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل‏.‏ والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه‏.‏ قال الحافظ وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين قال واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث‏.‏ الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة‏.‏ الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس والبيع على التأويلات كلها باطل‏.‏ ثم قال واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة‏.‏

والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار هكذا في الفتح‏.‏ والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وابطال خيار المجلس وحديث أنس يأتي الكلام علي ما اشتمل عليه من المحاقلة والمزابنة في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وأما المخاضرة المذكورة فيه فهي بالخاء والضاد المعجمتين وهي بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها وسيأتي الخلاف في ذلك‏.‏